فساد ذات البين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فهذا حبل من حبائل الشيطان وخطوة ضالة من خطواته؛ إذ يحاول الوقيعة بين الناس وزيادة هوة الاختلاف بينهم حتى يوقعهم في القطيعة؛ أو ربما فيما هو أسوأ من ذلك من التدابر والتناحر، والغيبة والنميمة، وتمني الشر للآخرين؛ وربما جَرَّ ذلك إلى ما يتمناه الشيطان من القتل والتدمير والحروب. ومَرَدُّ ذلك إلى بعض كلماتٍ أفلح الشيطان في تضخيمها حتى كبرت فأفسدت، ولو تعاملنا بالعفو والتغاضي والمسامحة والتماس المعاذير لما وصل الأمر إلى فساد ذات البين التي تحلق الدين.
قال -تعالى-: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً﴾ [الإسراء:53].
يأمر -تبارك وتعالى- في الآية رسوله -صلى اللّه عليه وسلم- أن يأمر عباد اللّه المؤمنين، أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفِعَال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدّو لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم، وعدواته ظاهرة بينة، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة فإن الشيطان ينزغ في يده فربما أصابه بها، ففي الحديث: (لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِى يَدِهِ ، فَيَقَعُ فِى حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله. ويقول: والذي نفسي بيده ما توادَّ اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما) رواه أحمد، وقال الألباني: صحيح لغيره.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ َقالُوا: بَلَى. قَالَ: صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هي الْحَالِقَةُ) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن) رواه البيهقي، وقال الألباني: حسن صحيح.
وقد يرخص في الكذب للإصلاح، كأن تقول له: إنني أعلم أن فلاناً يحبك، وقد مدحك أمامي، وأشباه ذلك من الكلام.