الرد على الشيخ محمد سعيد رسلان بخصوص العمل الجماعي
28-جماد أول-1427هـ 24-يونيو-2006
السؤال:
ورد أكثر من سؤال بخصوص خطبة الشيخ محمد سعيد رسلان التي بعنوان: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" عن حكم العمل الجماعي، وهل هو مشروع؟ وهل يصح الاحتجاج بكلام الإمام الجويني؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأما ما ذكرت من قولنا بمشروعية العمل الجماعي فهو الحق الذي ندين لله به، ونعني بالعمل الجماعي التعاون على إقامة فروض الكفايات من الأذان، وصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة والأعياد، والدعوة إلى الله، والقيام على حقوق الفقراء والمساكين، وتعليم المسلمين وإفتائهم بمقتضى الشرع، وسائر ما يُقدر عليه من فروض الكفايات، ونحن ندعو إلى ذلك، مع دعوتنا إلى ترك التعصب على الراية، بل ننادي بالإخوة الإيمانية وبضبط مسائل الخلاف (راجع كتاب فقه الخلاف).
وعلى هذا فمنع بعض طلبة العلم من العمل الجماعي بدعوى أنه يؤدي إلى الحزبية لا تلزمنا ما دمنا قد تبرَّأنا منه بفضل الله، بل الواقع والمشاهَد أن العصبية والحزبية مع اتفاق الجميع على إنكارها من حيث الأصل إلا أنها -من حيث الواقع- أكثر وجودًا في أتباع الدعاة الفرديين، لا سيما من عرف عنهم حدة الأسلوب والنقد اللاذع لمخالفيهم.
وأما ما ذكرت من أننا نحتج بكلام الجويني -رحمه الله-، وأن الشيخ رسلان قد نقض كلام الجويني؛ فإننا لا نقرر أن هذا الحكم لا يُستفاد من كلام الجويني -رحمه الله- وحده، بل الأدلة عليه كتابًا وسنة، ثم نقلاً عن أهل العلم كثيرة جدًّا -بفضل الله-.
فمن الأدلة قوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة:2)، ومن أظهر أدلة السنة تأمير الصحابة لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- في غزوة مؤتة بعد مقتل القواد الثلاثة، وغيرها من الأدلة كثير، وأما النقول عن أهل العلم فمشهورة معلومة، نكتفي منها هنا -حيث أن السؤال يطلب الرد على الشيخ رسلان بوجه خاص- بذكر بعض أخبار ابن تيمية من رسالة الشيخ رسلان نفسه التي بعنوان: "حول حياة شيخ الإسلام ابن تيمية".
وهذه الأحوال عن شيخ الإسلام حكاها الشيخ رسلان عن ابن تيمية في معرض الثناء عليه، والرسالة رغم أنها منشورة منذ أكثر من ستة عشر عامًا إلا أنها موضوعة الآن على الموقع الشخصي للشيخ رسلان على شبكة الانترنت، وهذا يتضمن مخالفة مزدوجة منه لما ادعاه من عدم مشروعية العمل الجماعي، فسيرة ابن تيمية التي يحكيها مخالفة لمنهجه هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلا ندري ماذا نسمي التعاون القائم بين الشيخ وتلاميذه في هذا الموقع وفي غيره إن لم يسمى عملاً جماعيًّا!
وإليك مقتطفات من هذه الرسالة:
يقول الدكتور رسلان في هذه الرسالة (ص21): "ولم يكن الشيخ بعيدًا عن أحداث عصره، بل شارك في تلك الأحداث مشاركة العالم العامل المجاهد، فامتشق حسامه، وحارب التتار بسيفه، كما حاربهم بلسانه وقلمه. فمن ذلك: أنه لما ظهر السلطان "غازان" على دمشق؛ جاءه ملك "الكرج"، وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق، فوصل الخبر إلى الشيخ، فقام من فوره، وشجع المسلمين، ورغبهم في الشجاعة، ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن، وزوال الخوف، فانتدب منهم رجالاً من وجوههم وكبرائهم وذوي أحلامهم، فخرجوا معه إلى مجلس السلطان "غازان"، فلما رأى الشيخ أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة، حتى أدناه منه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام له في عكس رأيه من تسليط المخذول ملك "الكرج" على المسلمين، وأخبره بحرمة دماء المسلمين، وذكره ووعظه، فأجابه إلى ذلك طائعًا، وحُقنت بسببه دماء المسلمين، وحُميت ذراريهم، وصِين حريمهم".
وأيضا ورد في (ص23): "ومن ذلك: أنه في سنة 700هـ اشتد الخطر على الشام من التتار، ذلك العدو الرهيب، فأصبح الناس بين هارب أو لا يجد بدًّا من الاستسلام، وطلب نائب السلطان والأمراء إلى الشيخ أن يركب على البريد إلى مصر يستحث السلطان أن يجيء بالجيش لإنقاذ الشام، وفي القاهرة قال الشيخ للسلطان: إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته، أقمنا له سلطانًا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن، ثم قال: لو قدر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه، واستنصركم أهله؛ وجب عليكم النصر، فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه، وهم رعاياكم وأنتم مسئولون عنهم؟ وقوى جأشهم، وضمن لهم النصر هذه الكَرَّة، فخرجوا إلى الشام، وكان الظفر والنصر".
وأيضاً ورد في (ص25): "ومن ذلك: خروجه بعد الفوز على التتار إلى الجبل؛ لمحاربة طائفة من الشيعة مالأت التتار مرتين، وهم طوائف تنتسب إلى الشيعة الباطنية، وقد مالأت الطائفة التتار مرتين، وأسروا الأسرى، وسبوا النساء والذرية من المسلمين، بل وباعوا النساء والذرية للصليبيين. خرج الشيخ إلى تلك الطائفة الرافضة، فأزال مجتمعها في الجبل، وقلَّم أظافرها، وانتصر للحق منها".
وأيضاً ورد في (ص26): "ومن ذلك: أن الشيخ اتجه لإزالة البدع والمنكرات، ففي جمادى الآخرة سنة 704هـ راح الشيخ تقي الدين إلى مسجد التاريخ، وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت بنهر قلوط، تُزار ويُنذَر لها، فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها، فانزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيمًا".
هذا ما تيسر في المقام، ونسأل الله -عز وجل- طرح معالجة أكثر تفصيلاً لهذه القضية على صفحات هذا الموقع -بإذن الله تعالى-.
[i][b]